صدرَ عن دار نَعمان للثَّقافة مجلَّدٌ جديدٌ أنيقٌ للشَّاعر موريس النَّجَّار هو ديوانٌ يحملُ عنوانَ "نجوى المُنحنى". لوحةُ الغلاف للفنَّانة التَّشكيليَّة لارا موريس النَّجَّار، وإهداؤه إلى ابنة الشَّاعر، وداد، حُبُّه المُسافر، وإلى حفيدته ساشا، حبَّة قلبه. وأمَّا المقدِّمة فبقلم الأديب جوزيف مهنَّا، وممَّا جاء فيها:
"يأخذك العطر الدَّائري، الإغرائي، ممركزًا في صفحات "نجوى المنحنى" للشَّاعر موريس النجََّّار، بمسافاته التَّرميزيَّة، وفانتازياه الخارقة، داخل السَّديم الشِّعري، إلى محطَّاتٍ ومستخلَصاتٍ بصيريَّةٍ لافتة، تؤثِّث كمثل عرائش الكروم بقطوفها والمطارف، لكينونة العناقيد، فالاختمارِ التَّامِّ في معماريَّة القصيدة.
"الدِّيوان بسوانحه واستقراءات لوحاته الجماليَّة، ليس مقصورًا في زهو الرِّقاع، على البنفسج، تتطارحه فجاءاتٌ دلاليَّةٌ تنتظم في سلك الرِّيادات فحسْب، بقدْر ما هو استبحارٌ عفويٌّ ينثال في آفاق ذات الشَّاعر، فيحتازها مثقلاً بالإغراق الفكري، على ترصيعٍ كمونيٍّ صارمٍ متدامج النّبرات مجتلًى ومجتنى، فاتحًا حناجرَ قصبِ أوراقه بلُباناتها، على إيحائيات وإيقاعات ربيعٍ جديد.
"ويا لِمحاسنَ، ما روضٌ نطيف به، تقطَّرت تدقيقًا وتنميقًا، فتبلَّرت عرائسَ مجلوَّةً، واءَم فيها الشَّاعر وتاءَم بين مِرْقمٍ ورقمٍ، فأوْلمَ لضِيفانه بوضوح الهدف، وتركُّز الفكرة، واندفاق العاطفة، وانسيابيَّة العبارة، ولائمَ بيانٍ هي في توهُّجها أشرعة سَفَرٍ، وأقواسُ قُزَحٍ مسكونةٍ بكثبان الزّمرُّد المركوم، وفتيت المسك، والأثيريِّ النَّديِّ من نفَثات الوجيب.
"أمَّا العبور الى شجرة بهاء "نجوى المنحنى" بحضوره الرُّومانسيِّ المشعّ، ورهيف أسَله، وريِّق أعساله، ومذخوره الكبير، فنفحٌ يُضارع نفحًا، أفصح صبحُه نسِمًا عليلاً، حافلاً بالابتكار وروعة التَّصوير، كأنَّه في الطّلاوة والجزالة، الرُّواءُ كلُّه، احتُقِب زادًا لعَثَرات الشِّعر في السَّنوات الضّحل العِجاف.
"فالقلائد عند موريس النجَّار، بَرَزةٌ، ريِّفة، لألاءة، ولا غَرْو، فمَن كان عشراؤه الوردُ والأقحوانُ، وأميرتان تحشُدان بأصغرَيْهما في أبجديَّة الهناءات، مملكَتَهُ الصَّغيرةَ حُبًّا وأنسًا، لهْو مُطالَب كثيرًا في الَّذي يكنِز ويتَّكئ عليه من وَزَنات.
"غزلٌ ووجدانيَّات هو الدِّيوان، غصّ بلبلٌ بمحافله، "وماج المهرجان":
"الزّنبق في منابته تَكَبَّى على جمر الفؤاد، فارتعش من وَلهٍ، فإذا القمر مُطلّ! والياسمينة عقدت حقولُ الرِّيح في بساتين طهرانيَّتها آهًا، فالتَّباريحُ التعاجُ صباباتٍ، ونداءُ الشَّهوات في الجسد رِباطٌ، لا فِكاك لمقادسه. إنَّها الرّيحانة!.. للهِ درُّها مغناةً أنافت بها أعلامُها، فصعَّدت عُجبًا كَتَماتِ صدرِها إعزازًا للشَّاعر الَّذي رفع البدعُ قدرَه. فمناديلها المطرَّزة بالغيم، قَطْعًا ثبْتًا ، لا تقبل إلاَّ نخائلَ القلوب.
وأمَّا الشَّاعرُ موريس وديع النَّجَّار فقد أبصرَ النُّورَ، أوَّلَ مَرَّةٍ، في الثَّالث من تشرين الأوَّل من العام 1945 في قرية دارشمزِّين، من قضاء الكورة، شمَاليَّ لُبنَان. إِنتَزَعَ الدَّهرُ منه وَالده، يَوْمَ كان عُودُه طَرِيًّا، فَشَفَّت رُوحه، وَتَمَكَّنَ الألَمُ منه.
تَلَقَّّى دُروُسَه الابتِدَائيَّة والتَّكمِيليَّة في بَلدَة أميُون، من قضَاءِ الكُورَة، وَالثَّانَوِيَّة في مَدِينَة طَرَابُلُس، وَالتَحَق، بَعْدَهَا، بِالجامعة اللُّبنانيَّة حيث نالَ الإجازَةَ في الرِّياضيَّات، ومارسَ تَعليمَ هذه المادَّة في العَدِيد من المَدارس الثَّانَويَّة الرَّسميَّة والخاصَّة.
وَلَم يستَطِعِ الرَّقمُ، والمُعَادَلاتُ الجافَّة، التَّلطيفَ من هَوَى رُوحِه لِلأدَبِ والشِّعر؛ فَبَقِيَ الكِتابُ خِدْنَه، وَلَصِيقَه، إليهِ يعُودُ، والشَّوقُ على تَلَظٍّ، كَأنَّهُ الحَبيبُ المَنشُود، وَإليْهِ ينهَدُ، والذَّائِقَةُ الجَمَاليَّةُ في أُوَارٍ دَائِم. كَتبَ الكَثِيرَ، في مَرَاحِلِ حَياته، مُنْذُ البِدَايات، فَلَمَّا أحسَّ بِقَلَمِه أثْبَتَ، وَأنْضَجَ، في الشِّعرِ، أطْعَمَ النَّارَ مُعْظَمَ ما كَتَبَ لِمَا وَجَدَ فيهِ مِن بَصَمَاتِ النَّزَقِ، وَتَهوِيمَاتِ المُراهَقَة.
من أعماله المَنشورة، إلى ديوان "نجوَى المُنحَنى" الصَّادر حديثًا عن دار نَعمان للثَّقافة، ديوانُ "ثِمَار في الظِّلّ"، عن دار بَشَاريا، العام 1993، وديوان "في خِدْرِ الشَّمْس"، عن مؤَسَّسَة رعَيدِي للنَّشر، مطلع 2001. ومن مخطوطاته: "وَقُلتُهَا شِعرًا" (ديوان)، و"عَلَى مَتْنِ القَلَم" (مَقَالات نَثْرِيَّة). كما للنَّجَّار إسهاماتٌ عديدةٌ في أكثرَ من مجال، وقد كُرِّم مؤخَّرًا في "لقاء الأربعاء" (صالون ناجي نعمان الأدبيّ الثَّقافيّ).
هذا، ولِلغَزَلِ حَيِّزٌ طَاغٍ في شِعْرِ موريس النَّجَّار، والوجدان لُحْمَةُ هذا الشِّعْرِ وسُدَاه. وهو يَنْتَقِي بِدِقَّةٍ وَوَلَهٍ ألفَاظَه؛ كَلِمَتُهُ، أدَبِيَّةٌ، مُتْرَفَةٌ، ما استَهلَكَتهَا القَرَاطِيس؛ وَصُورَتُهُ تَحمِلُ شَحْنَةً تَخْيِيلِيَّةً ذَات وَزْن، إلى التِزامه بِأوزَان الخَليل قَالبًا، وبِالرُّومَنسِيَّةِ قَلبًا.